المثقف النسواني: أنا مثقف إذن أنا محبوب

عكس الفتاة المستغانمية (نسبة لأحلام مستغانمي) التي سبق وتحدثت عنها فإن المثقف النسواني هو رجل واثق من نفسه بشكل غير معقول, وقد أشرت أن الفتاة المستغانمية لا وجود لها على أرض الواقع في حين أن الفتى المثقف النسواني يوجد في كل مكان بشكل ينغص عليك عيشتك, فهو ذلك الشاب بالمقهى الذي يتحدث في كل شيء بثقة جدا كبيرة مبتدئا حواره دائما بجملة "لا! ليس هكذا, أنا أفهمك" فهو يتحدث بتعمق وببطئ وبنبرة صوت جدا منخفضة, لكي يحاول استجماع أفكاره وكي لا يقع في الخطأ لأنه يتحدث في موضوع لا يعرف أصله من فصله, فهو فقط يدور ويحوم حول الموضوع ليكرر في آخر المطاف كلامك, وإذا ما قلت له: "ولكن هذا ما قلته منذ البداية أصلا!" سيجيبك ب:"لا! أنت قلت شيئا مغايرا"... وحينها ستضطر لانهاء النقاش العقيم, وما إن يبدأ شخص آخر موضوعا آخر لا علاقة له بالموضوع الأول سينطق المثقف النسواني مجددا: "كلا! ليس هكذا, دعني أشرح لك".

المثقف النسواني هو ذلك الشخص الذي يملأ مواقع التواصل الاجتماعي بصوره, فهو يعد من بين أسباب تفكير مارك زوكربيرج باقفال الفيسبوك نهائيا, يضع المثقف النسواني مقولة طفولية مكررة مثل: "من زرع حصد" ثم يرفقها بصورته جالسا بملابسه الكلاسيكية بربطة العنق وبملامح وجهه الجادة كأنه قد أخبرنا سرا يريد أن تكون له حقوق محفوظة بتوثيق صورة خلقته, فهو لن يكتفي بوضع إمضائه, وعكس الفتاة المستغانمية التي توقع مقولاتها المنمقة بحرفين فقط من اسمها, فإن الشاب المثقف النسواني يوقع مقولته باسمه الثلاثي مع إضافة صورته ومكان كتابة المقولة والتوقيت وربما نسخة من شهادة ميلاده.
واضح جدا ومباشر جدا عكس الفتاة المستغانمية التي تلجأ للغموض, المثقف النسواني يعبر عن أفكاره بشكل صريح وقد يلجأ أيضا لاخفاء بعض عيوبه التي يراها تجرح صورته المقدسة أمام متابعيه  -الذين لا أحد يعلم لماذا يتابعونه-.

يدخل المثقف النسواني عبر مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات ساخنة ويتميز أسلوبه بالعنف اللفظي "المحترم" فهو لن يتوقف عن النقاش حتى تنهيه أنت, إذ لابد من أن يكون آخر تعليق هو تعليقه, ومستعد في أن يبقى يناقشك لغاية بروز الفجر, ولكنه مع ذلك أحيانا إن رأى منك غلبة قد ينكمش ويلجأ للاستعلاء ويخبرك بأنه يترفع عن الرد عليك, لأنه في حقيقة الأمر غير قادر على النقاش وغلب على أمره.
وعودة لصور المثقف النسواني فإن صوره التي تملأ المكان تشعرك بالقرف طول الوقت, إذ عكس الفتيان الذين يضعون صورهم لتوثيق لحظات حميمة من حياتهم أو مرحهم, فإن المثقف النسواني يضع صوره الجادة دائما بملابسه الكلاسيكية أبدا في كل مقولة وفي كل بيت شعري أو قصة قصيرة, وعند إلقاء نظرة على صوره ستجدها متشابهة تكاد تكون صورة واحدة.
المثقف النسواني يحب الشعر كثيرا والأدب, فتجده يحاول بشكل مروع اغتصاب القصائد, فينسج قصيدة محتواها سكر ونساء وليالي حمراء, وعند العودة لعنوان القصيدة ستقرأ "آه يا فلسطين الجريحة!" وقد تعصر مخك وتحاول القراءة مجددا لتستخرج ولو رائحة فلسطين من القصيدة لكنك ستفشل الفشل الذريع... فالمثقف النسواني يظن أنه لكي يكون شاعرا وأديبا لابد من أن يقحم الخمر والنساء والليالي الملاح لكي يحضر المغزى أي مغزى.. وعند حدوث كارثة في دولة ما من الدول ستجد المثقف النسواني يضع صورته مرفقة بمقولة: "أعلن تضامني المطلق".

قد يلجأ المثقف النسواني لتجميع قصائده أو قصصه القصيرة المقيئة لنشر ديوانه الأول أو مجموعته القصصية الأولى, ولأنه لا توجد أي دار نشر عربية أو غير عربية ستوافق على نشر مرضه, فإنه سيقترض من البنك كي يرى ديوانه النور, ويجهز حفلة توقيع ديوانه الأول في مقهى فخم ويدعوا أصدقاءه ومتابعيه خصوصا المستغانميات لحفل التوقيع موزعا بطاقاته على الحضور تحوي كل وسائل الاتصال به, ثم يبدأ بتوزيع النسخ المجانية عليهم واحدا واحدا (لأن الديوان تدفع أنت له المال ولا تأخذه) فيبدأ أصحابه بمجاملته مرغمين بمواقع التواصل الاجتماعي بوضع صورة غلاف ديوانه مع عبارات الشكر والتقدير, كذا المستغانميات اللائي يملؤهن السرور والحبور لأن هناك من (عبرهن).

يلجأ المثقف النسواني لمتابعة الفتيات المستغانميات وقد يمدح منشورا لها فترد عليه المستغانمية بطريقتها المعهودة: "لقد تشرفت بمرورك المعطر أستاذي الفاضل", فيسارع المثقف النسواني بعدها لارسال رسالة خاصة لها سائلا عن الصحة والأحوال ليلقى تجاهلا منها, فيجن جنونه الذي قد يدفعه لأن يحذفها من قائمة أصدقائه أو يبدأ بمضايقتها في كل منشوراتها انتقاما من جرح كرامته وعدم الرد عليه.

المثقف النسواني ثلاثة أرباع منشوراته تتحدث عن الحبيبة, فهو تارة يصف شخصيتها المليحة, وثانيا قوامها وثالثا استدارة ثدييها, رغم أنه قد يكون الثدي الوحيد الذي وقعت عليه عيناه هو ثدي أمه قبل عقود طوال... إذ لا توجد فتاة من الممكن أن تتخذه حبيبا, فهي قد تعشق أسلوبه المائع اللزج, وقد تنبهر بشخصيته الكاريزمية وأناقته الفائقة, لكنها سرعان ما تفر منه بعد لقاء أو لقاءين, ليبدأ المثقف النسواني بالكتابة عنها بأنه قد تخلى عنها لتفاهتها أو لأنها فتاة غرة أو لأنها ببساطة لم تعجبه وذلك حفظا لكرامته, رغم أن لا أحد يعلم أنه التقاها أصلا, ولكن هكذا الأمر ماذا نفعل؟ على كل حال فإن المثقف النسواني لا يحزن على فراق أي أنثى رغم أنه لا يكف عن الكتابة عنها, إذ أن قلبه لا يتسع لشخص غيره فأناه جد متضخمة حد التورم والتقيح, وهو متيم بنفسه عاشق لها.

المثقف النسواني عكس الفتاة المستغانمية -التي تتعقل بعد تجاوز مراحل المراهقة والشباب- لا يوجد حد للسن, فهو قد يكون ذلك الشاب الجامعي أو ذاك الرجل المتقاعد, قد يكون ذلك الرجل الأعزب أو المتزوج, وهنا تكمن المصيبة والكارثة الحقيقية.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تعليقات

  1. أعجبني
    #الفتى المثقف النسواني يوجد في كل مكان بشكل ينغص عليك عيشتك
    #وربما نسخة من شهادة ميلاده.
    #المثقف النسواني يحب الشعر كثيرا والأدب, فتجده يحاول بشكل مروع اغتصاب القصائد, فينسج قصيدة محتواها سكر ونساء وليالي حمراء, وعند العودة لعنوان القصيدة ستقرأ "آه يا فلسطين الجريحة!" وقد تعصر مخك وتحاول القراءة مجددا لتستخرج ولو رائحة فلسطين من القصيدة لكنك ستفشل الفشل الذريع...

    ردحذف
  2. ما رأيك أن تتناول عشاق أجهزة أبل (Apple fanboys ) ببعض نقدك اللاذع، فهم أتفه من التفاهة نفسها ويجعلون مدونتك هذه تبدو كبحر من العلم النافع!

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا معاذ,
      شكرا على الاقتراح سأكتب عنهم إن شاء الله, هههه تعوزني الأفكار.
      صراحة لا أعرف شخصا يعشق أجهزة الابل لأنني لا أطيق أصلا شخصا كذلك.

      حذف
  3. ههههههههههههههههه ولله هذا العالم مدهش, مليء بالشخصيات الغريبة مما يجعلني أسارع لدراسة نظريات علم النفس أكثر فأكثر لأفهم بعضاً من أحجياتهم العصية وهذا في الحقيقة جانبٌ إيجابي علمياً, جرب مرة قراءة نظرية تأثير الفراشة.. اعتقد تقدر تصنع منها ومن نظرتك للمجتمع نص رائع يوصفهم!

    ردحذف